بسم الله الرحمن الرحيم
الملامح الرئيسية للبرنامج الإقتصادى للفترة الإنتقالية
الدكتور: بشير عمر محمد فضل الله
أغسطس 2019 م
1.
مقدمة
بعد إنتصار ثورة الشباب الظافرة بمشاركة كل أهل السودان على
دكتاتور القرن الحادى والعشرين عمر البشير ، ومع استمرار النضال لتصفية واقتلاع
نظام حكمه المتمثل فى أعوانه وزبانيته وأفراد أسرته ومؤسساته وقوانينه وكل ما يمت
إلى النظام البائد بصلة ، يتوجب الإلتفات وبسرعة فائقة إلى عملية معاش الناس
والإنتاج والتنمية وبناء الوطن الذى ظللنا نحلم به جميعاً ، فقد ضاع من بين إيدينا
وقت غالٍ ونفيس، ومن ثم يصبح تنفيذ البرنامج الإقتصادى للمرحلة الإنتقالية أهم
لبنة فى هذا البناء الذى ننشده . وحتى لا نقع فى خطأ العموميات والجدل البيزنطى ،
فينبغى هذه المرة أن يخضع تخطيطنا وسياساتنا المتعلقة بالبرنامج الإسعافى لفك
الضائقة المعيشية ، أو البرنامج الإنتاجى أو التنموى ، لنظرية البرامج وللهيكل
والمعايير التالية :-
i.
إسم
البرنامج
ii.
تحديد
أهداف البرنامج
iii.
تحديد
مكونات البرنامج
iv.
تحديد
الموارد المالية والبشرية المطلوبة للتنفيذ
v.
تسمية
الجهات المنوط بها التنفيذ
vi.
تحديد
السقف الزمنى للتنفيذ
vii.
تحديد
الجهة المسؤولة من قيادة وتنسيق جهود جهات التنفيذ
viii.
تحديد
أدوات وآليات المتابعة والرقابة والمساءلة
ix.
إعتماد
آلية التقييم المستمر والتقييم النهائى لحالة التنفيذ لكل برنامج حسب السقف الزمنى
ووفق حجم الموارد التى أتيحت له .
x.
إستيعاب
شباب وشابات الثورة فى كل واحدة من المراحل أعلاه وفق تصور عملى يخلق قيمة مضافة
للعمل .
2.
البرنامج الإسعافى لفك الضائقة المعيشية (لمدة عام):-
يتطلب إعداد هذا
البرنامج الحصول على أدق الإحصاءات والمعلومات عن حجم الإستهلاك لمدة عام من السلع
والخدمات الضرورية الآتى بيانها . ونقترح أن تُكوَّن لجان متخصصة من ذوى الخبرة
والدراية فى كل مجال لجمع هذه المعلومات والإحصاءات من مصادرها ، والقيام بتصنفيها
وتبويبها وفق الأسبقيات ، وحساب التكلفة المقابلة لكل صنف بالعملتين المحلية
والأجنبية ( فى حالة الإستيراد من الخارج ) . ويتوجب بعد ذلك توفيرها أو توفير
النقد المحلى أو الأجنبى الذى يضمن توفرها لمدة عام على أقل تقدير.
أولاً : السلع الضرورية :
-
القمح
-
دقيق
القمح
-
البنزين
(للسيارات الخاصة ،النقل العام ، الإنتاج الزراعى ، الإنتاج الصناعى،الخدمات
الضرورية )
-
الجازولين
(- كأعلاه -)
-
الفيرنس
(لتوليد الكهرباء)
-
غاز
الطهى
-
زيوت
الطعام
-
الفول
(المصرى)
-
البيض
-
الذرة
-
اللحوم
(البقرى – الضأن – الدجاج – السمك).
-
السكر
-
الأرز
-
العدس
-
الشاى
ثانياً : الخدمات الضرورية :
-
الأدوية
( مع إعتماد مجانية الأدوية المنقذة للحياة وتطعيم الأطفال والتطعيم ضد الأمراض
المعدية والأمراض القاتلة ).
-
المتطلبات
الضرورية العاجلة للقطاع الصحى.
-
المتطلبات
العاجلة لقطاع التعليم وإعتماد مجانية التعليم من الإبتدائى حتى الثانوى مع البدء
فى إعادة نظام السكن الداخلى للطلاب والطالبات.
-
المتطلبات
العاجلة لقطاع الكهرباء.
-
المتطلبات
العاجلة لقطاع مياه الشرب.
-
المتطلبات
العاجلة لقطاع السكة حديد.
-
المتطلبات
العاجلة لقطاع الطرق والنقل .
-
المتطلبات
العاجلة لقطاع الإسكان .
ثالثاً : مدخلات الإنتاج :
-
مدخلات
الإنتاج الزراعى للموسم الحالى 2019 م (الحبوب (البذور المحسنة عالية الإنتاجية
ومقاومة للأمراض وللجفاف وعالية الجودة ) – البساتين – الثروة الحيوانية (التلقيح
الصناعى ، سلالات جديدة ) – الغابات – الأقطان .... الخ).
-
مدخلات
الإنتاج الصناعى .
-
مدخلات
الإنتاج لقطاع التعدين وقطاع إنتاج البترول .
-
مدخلات
قطاع تقنية المعلومات والإتصالات.
رابعا : إدارة السيولة :
يعانى الإقتصاد السودانى حالياً من أزمة حادة فى السيولة
النقدية تمثلت فى الإنخفاض الحاد فى السيولة المتداولة فى الإقتصاد عن المستوى
المطلوب مما أدى إلى عجز المصارف التجارية عن مقابلة التزاماتها فى سداد مرتبات
الموظفين ناهيك عن مقابلة متطلبات مراكز الإنتاج والشركات الصغيرة والمتوسطة ومسيرى
الخدمات الضرورية ، مما خلق حالة من عدم الثقة فى النظام المصرفى بكامله ، وحالة
من المعاناة فى المعيشة لم يشهد لها السودان مثيلاً من قبل . ونتجت هذه الحالة ليس
من جراء تدنى الأداء الإقتصادى الكلى ، ولكن فى الأساس بسبب الفساد المالى الذى
استشرى ، وتكديس المتنفذين فى حكومة عمر البشير وكبار رجال الأعمال والقطط السمان
لمليارات الجنيهات السودانية خارج الجهاز المصرفى مما أدى إلى الجفاف فى شرايين
القطاع المالى وإلى ندرة النقد المتوفر فى خزائن البنوك .
فى ظل هذا الوضع المتدنى والخطير ، تصبح هناك ضرورة ملحة
لإعادة هيكلة بنك السودان المركزى ومن ثم إعادة النظر فى كل السياسات النقدية بغرض
توجيهها لصالح الإنتاج ولمصلحة الإقتصاد السودانى . كما يتطلب ذلك ضبط وإحكام
تنفيذ قانون الرقابة على البنوك التجارية وقانون إدارة النقد الأجنبى وقانون إدارة
السيولة ، ومراجعة وضبط التراخيص التى منحت للبنوك القائمة والتراخيص الجديدة .
كما يتطلب ذلك إحكام إصدار وتنفيذ خطابات الإعتماد وخطابات الضمان وسندات التحصيل
( سندات الإستيراد وسندات التصدير)، وإجراءات تمويل التجارة وتمويل سلسلة التوريد
والتمويل القائم على الأصول .
فمن أوجه الدمار التى رُزء بها القطاع المصرفى السودانى إبان
فترة حكم "الإنقاذ" ، والتى تقع مسؤوليتها مباشرة فى عنق بنك السودان
مايلى :-
-
تعيين
رؤساء مجالس إدارات لا تتوفر فيهم المؤهلات الضرورية ولا الخبرة الكافية فى المجال
المصرفى .
-
تعيين
مدراء عموم للمصارف لا يتوفر فيهم الحد الأدنى من المؤهلات والخبرات الإدارية
والمصرفية .
-
السماح
لبعض رؤساء مجالس الإدارات وأعضاء المجالس بالأقتراض من البنك المعنى متجاوزين
السقوفات والحد الذى حددته لوائح وسياسات بنك السودان المركزى .
-
التساهل
مع بعض البنوك التى تتخطى نسبة الديون المتعثرة فيها الحد المقرر من بنك السودان .
-
إجبار
البنوك التجارية ، وهى مؤسسات ذات ملكية خاصة ،
على
دفع مبالغ باهظة لأنشطة الحكومة وأنشطة الحزب الحاكم على وجه التحديد ، أو
للمؤسسات أو الجمعيات الخيرية التى يديرها بعض المتنفذين فى الحكومة أو فى الحزب
الحاكم .
-
التمويل
من قبل البنوك بدون رهونات حقيقية ، أو رهونات تقصر قيمتها كثيراً عن قيمة القرض .
أضف إلى ذلك اللجوء إلى الضمانات الشخصية كأسلوب لتمويل المحاسيب والمتنفذين
السياسيين .
-
الفساد
فى التعامل مع حصائل الصادرات .
وقد أدت هذه الأسباب وغيرها إلى بروز نظام مصرفى ضعيف الرسملة
وسيئ التنظيم . بل وصار النظام المصرفى هو الوكر والبؤرة التى تعشعش فيها كل ألوان
الفساد الإقتصادى والمالى . وبدلاً من أن يكون النظام المصرفى هو الماكينة التى
تقود عملية الاستثمار والنمو ، صار هو مصدراً رئيسياً لعدم الإستقرار الإقتصادى
وسوء توزيع الموارد وسوء إستخدامها.
خامساً : إدارة الإقتصاد الكلى :
لا يمكن للبرنامج الإسعافى لفك الضائقة المعيشية أن ينفذ بدون
المراجعة العاجلة للطريقة التى كان يدار بها الإقتصاد الكلى من حيث السياسات
والإجراءات ونوعية الكوادر التى تقوم بتنفيذ تلك السياسات . وهذا يقتضى بالضرورة
إتخاذ الخطوات العاجلة التالية :
1. وضع فريق عمل من المختصين تحت قيادة وزير المالية
والتخطيط الإقتصادى يتسم أعضاؤه بأعلى درجة من الكفاءة المهنية والخبرة والتجربة
والمعرفة والأمانة والصدقية والوطنية .
2. التحقق – وبطريقة عاجلة – من بيانات إيرادات و
مصروفات ميزانية الدولة ، ومن ثم إتخاذ الإجراءات اللازمة لتحديث تلك البيانات .
3. بناء نماذج إقتصادية وإحصائية لتوقع الإيرادات
والمصروفات فى ظل التغيير السياسى والمؤسسى الذى إنتظم البلاد .
4. تنشيط وتحديث وتطبيق القوانين التى تلزم بإدخال
كل المال العام تحت مظلة وزارة المالية ، وإعادة هيمنة وزارة المالية على المال
العام .
5. إتخاذ كل الإجراءات اللازمة والعاجلة لترشيد
الإنفاق فى كل مرافق الدولة وعلى إمتداد الوطن ، وسن السياسات والقوانين الناجزة
التى تضمن التنفيذ على الوجه الأكمل .
6. مراجعة وضبط وتنظيم الإنفاق الحكومى بالنقد
الأجنبى .
7. مراجعة وضبط وتنظيم إمتلاك وإستعمال العربات الحكومية
.
8. مراجعة وضبط وتنظيم السفر إلى الخارج وحضور
المؤتمرات والندوات وورش العمل ، بما فى ذلك البدلات الممنوحة ودرجات التذاكر
والمدد الزمنية .
9. مراجعة وضبط وتنظيم كل ما يتعلق بالعلاج فى
الداخل والخارج لموظفى الحكومة وأسرهم .
10.
إعادة
التوازن للميزان التجارى عن طريق تحقيق طفرة كبيرة فى حجم ونوع الإنتاج – خاصة الإنتاج
الزراعى بأذرعه الأربع : إنتاج الحبوب والثروة الحيوانية والبساتين والغابات – من
أجل تحقيق الإكتفاء الذاتى من الغذاء وتحقيق فوائض كبيرة للتصدير ، وعن طريق ضبط
وترشيد الواردات . وهذا يقتضى وضع خطة واضحة لزيادة الإنتاجية وتحسين الجودة فى كل
مرافق الإقتصاد الحيوية .
11.
إعادة
التوازن لميزان المدفوعات عن طريق السيطرة على الحساب الجارى ، وبخاصة صادرات
الذهب وحصائل الصادرات الأخرى ، وعن طريق السيطرة على حساب رأس المال المتمثل فى
الإستثمارات المباشرة والقروض . وكذلك عن طريق الإدارة المسؤولة لحساب الإحتياطات
الدولية من الذهب النقدى والأصول السائلة .
12.
معالجة
عجز الموازنة باستخدام ضرائب غير تقليدية وتوسيع المظلة الضريبية .
13.
البدء
فى إسترجاع الأموال المنهوبة وإعادتها إلى خزينة الدولة .
14.
السيطرة
على التضخم .
15.
إصلاح
بيئة الإستثمار .
16.
حصر
حجم ونوع ومصادر الدين العام ، ثم ترتيب الدين العام فى جدول أسبقيات للسداد أو
الجدولة أو الإعفاء ، وذلك وفق الإحتياجات الحرجة للإقتصاد السودانى فى هذه المرحلة
.
سادساً : إعادة تأهيل المشاريع
:
ينقسم هذا الموضوع إلى قسمين :
إعادة التأهيل قصيرة الأجل والتى تدخل ضمن الإجراءات لفك الضائقة المعيشية ،
وإعادة التأهيل متوسطة المدى والتى تدخل ضمن الجهود المستقبلية لتحقيق التنمية
المستدامة والإزدهار الإقتصادى . ويتضمن هذا الجزء إعادة تأهيل جميع المشاريع
الإنتاجية والمشاريع الخدمية ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر المشاريع
الآتية :
-
مشروع
الجزيرة
-
مشروع
الرهد
-
مشاريع
النيل الأبيض الزراعية
-
مشروع
حلفا الجديدة
-
مشاريع
مؤسسة جبال النوبة
-
مشاريع
دلتا نهر طوكر
-
مشروع
السميح فى شمال كردفان
-
مشروعات
مياه الشرب فى دارفور .
كما ينبغى أن تشمل المجهودات أيضاً إعادة تأهيل المشاريع
الصناعية كمشاريع السكر والصناعات الغذائية والألبان ونحوها . ومن أهم القطاعات
التى يتوجب أن تمسها يد التأهيل العاجل ، قطاع الطرق والسكك الحديد والنقل النهرى
والنقل البحرى وكذلك النقل الجوى .
سابعاً : تشغيل الخريجين :
بالرغم من أن المعالجة الشاملة لموضوع بطالة الخريجين يجب أن
يندرج تحت الخطة التنموية متوسطة وطويلة المدى ، إلا أن معالجة من نوع ما ينبغى أن
تتم فى المدى القصير وضمن إجراءات تذليل الضائقة المعيشية فى البرنامج الإسعافى .
ويمثل القطاع الزراعى حقلاً جيداً لاستيعاب أعداد كبيرة من الخريجين فى مجال
مشاريع الرى المحورى ومشروع إعادة تأهيل حزام الصمغ العربى الهادف إلى زراعة مليار
شجرة هشاب ومشروع الإرتقاء بالثروة الحيوانية بإدخال سلالات جديدة عالية الإنتاجية
فى اللحوم والألبان ومشاريع التمويل الأصغر لإنتاج الخضر والفاكهة والدواجن .
كما أن الخريجين يمثلون عمالة مناسبة يمكن إستغلالها فى إعادة
تأهيل المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية ، وبخاصة مشروعات البنية التحتية
الإقتصادية كمياه الشرب والكهرباء والطرق والنقل والتخزين والسكك الحديد ، والبنية
التحتية الإجتماعية كالصحة والتعليم والإسكان والمجارى .
ثامناً : مشروع تحقيق السلام الشامل :
لدواعى السلم الإجتماعى والإستقرار السياسى اللذان هما الشرط
اللازم للبدء فى التخطيط السليم لتحقيق الإزدهار الإقتصادى والتنمية المستدامة ،
فإن وقف الحروب والوصول إلى سلام شامل فى كل ربوع السودان وجهاته الجغرافية ، يمثل
أسبقية قصوى للحكومة الإنتقالية ولشعب السودان قاطبة . ولذلك ينبغى أن تبذل كل
الجهود مع الحركات المسلحة لتحقيق السلام الشامل العادل فى المراحل الأولى من عمر
الحكومة الإنتقالية ، ومن ثم دمج ممثليها فى عملية التخطيط للمستقبل وفى عملية
الحكم وإدارة البلاد .
برنامج تحقيق السلام الشامل يحتاج أن ترصد له الموارد المالية
اللازمة وتتخذ له كل التدابير السياسية والإدارية والقانونية التى تضمن نفاذه بشكل
ناجز .
من ناحية أخرى ، فإن تحقيق السلام الشامل يساعد وبطريقة
مباشرة فى فك الضائقة المعيشية حيث أن مساحات واسعة من مناطق الإنتاج – الزراعى
على وجه الخصوص – تبقى خارج إطار العملية الإنتاجية نسبة لظروف الحرب وعدم
الإستقرار السياسى وغياب الأمن ، بل وتعطل كثير من منشآت البنية التحتية للإقتصاد
.
3. الملامح الرئيسية للبرنامج الاقتصادى
لبقية الفترة الانتقالية :
أولاً : استرداد الاموال المنهوبة :
ان حجم الفساد المالى – وماصاحبه من فساد سياسى وادارى – ابان
فترة حكم الرئيس المخلوع عمر حسن احمد البشير ، لا يوجد له مثيل فى تاريخ السودان
على امتداد حقبه . بل ان كل الدلائل تشير الى انه كان النظام الأكثر فساداً فى
القارة الأفريقية . فلقد اعتبر عمر البشير وأسرته أن السودان هو ضيعة خاصة بهم ،
فأطلقوا أعوانهم فى واحدة من أكبر السرقات للمال العام وموارد الشعب السودانى
عرفها التاريخ الحديث . وتآمر معه فى ذلك كبار رجالات الحركة الاسلامية السودانية
تحت نظريتهم المسماة ب "التمكين" التى روّجوها ظاهرياً على انها لخدمة
دولة الخلافة ، ولكنها كانت فى الواقع ، وبكل ما يعنى التعبير ، من أجل السعى
المتهافت للانغماس فى وحل الدنيا ، ولممارسة فصل من أبشع فصولٍ التاريخ فى الفساد
والظلم والبطش والاهانة والاذلال لشعبٍ شهد له العدو قبل الصديق ، بأنه شعب سامق
القامة ، كريم المعشر والخصال ، عميق التدين ، شديد العزة بنفسه ، صعب المراس
عندما يثور . وترتب على هذا كله أن انهار الأداء الاقتصادى انهياراً كاملاً ،
وانعكس ذلك فى شكل تدنى مريع فى الانتاج ، وارتفاع جنونى فى الأسعار ، وضيق شديدٍ
فى المعيشة .
اذن ، فليكن من أولى مهام مجلس الوزراء الانتقالى هو استرداد
هذه الأموال المنهوبة وذلك :
-
احقاقاً
للحق والعدالة اللتان نادت بهما الثورة ، ورد الحقوق الى أصحابها .
-
لتكوين
وسادة مالية تتكئ عليها الحكومة خلال الفترة الانتقالية الى حين تكييف أوضاعها
الاقتصادية والمالية الأخرى .
وفى هذا الخصوص ، أقترح الآتى :-
-
تشكيل
لجنة رفيعة المستوى ، تحمل عديد التخصصات ذات الصلة ، وتكون مسلًحة بسلطات واسعة
وقوية فى أمر تأسيسها ، لتقوم بحصر أسماء الشركات والمؤسسات والأفراد داخل السودان
الذين تحوم حولهم شبهات الفساد وشبهات الاعتداء على المال العام ، وكتابة تقارير
حول ماهية وحجم ذلك الفساد ، وتقترح وسائل وطرق التعامل معه لاسترداد تلك الأموال
المنهوبة الى خزينة الشعب السودانى .
-
تشكيل
لجنة مماثلة لحصر الأموال المنهوبة من قبل تلك الجهات ، أو من غيرها ، الموجودة
خارج السودان ، على أن يتم التنسيق الكامل بين اللجنتين . ومن أمثلة مثل هذه
الأموال ، الأموال المودعة لدى البنوك الأجنبية أو فى شكل عقارات أو أسهم فى
الشركات الأجنبية أو الشركات المملوكة لتلك الجهات فى الخارج ، أو أية استثمارات
أخرى . ويحتاج عمل هذه اللجنة لنشاط دبلوماسى مكثف يسبق ويصاحب تحركها مع حكومات
الدول التى تحتضن الاستثمارات . ولأهمية هذا الأمر ، ينبغى أن يشمل التحرك
الدبلوماسى مجلس السيادة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية وطاقمه من السفراء والقناصل
والمسؤولين ، ووزير المالية ومحافظ بنك السودان المركزى وأىٍ من الوزراء ذوى
الاختصاص .
-
اصدار
تشريعات من مجلس الوزراء والمجلس التشريعى الانتقالى تسمح بملاحقة الأموال المنهوبة
وبمساءلة المفسدين وكل المتورطين فى نهب أو تبديد أموال الشعب السودانى ، وكل
الذين أثروا بدون وجه حق ، وأولئك الذين تعاونوا معهم فى تحقيق أهدافهم الاجرامية
.
-
تكون
أولوية الصرف من الأموال المستردة من الأموال المنهوبة للقطاعات التالية :
·
التعليم
.
·
الصحة
.
·
الانتاج
.
·
الطرق
.
·
بناء
الأمة (السودانية الموحدة) .
ثانياً : اصلاح جهاز الخدمة المدنية :
لقد ركز النظام البائد ، ومن وقت مبكر فى سجل حكمه ، على هدم
مؤسسات الخدمة المدنية ، والتى كانت تعتبر واحدة من أفضل المؤسسات الادارية فى
افريقيا والشرق الأوسط ، وعمدت الى تكسيرها والسيطرة عليها فى خطة مدروسة لافساح
المجال للعمل السلس لدولة الفساد والتمكين .
فقامت بحملات الفصل الظالم والمتعسف للموظفين والموظفات ،
وبسياسات مايسمى ب " الاحالة للصالح العام" والاجبار القسرى على
الاستقالة . وسرعان ما حلّ الولاء السياسى للنظام الحاكم ولحزبه المؤتمر الوطنى
وللحركة الاسلامية ، مكان التأهيل الأكاديمى والعملى والمهنى ، واحتلت اعتبارات
التمكين والنية للانفراد بالسلطة مكان الخبرة والقدرة على الأداء ، وطفح حقد
الاقصاء ليقتل المعرفة بمهارات وفنون تسيير أمور الحكم وأمور العباد والبلاد .
لايمكن لبلد أن ينهض ويزدهر اذا لم تكن كوادره التى تتولى
العمل السياسى والتنفيذى قد اختيرت وفق معايير ومواصفات بالغة الصرامة وبكامل
الشفافية وتغليب المصلحة العامة دون محاباة ودون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو
اللون أو العرق أو المنشأ الجغرافى . ولكن الذى حدث هو أن حكومة المخلوع عمر
البشير ، ومن ورائها الحركة الاسلامية وحزب المؤتمر الوطنى ، ألحقوا دماراً
مبرمجاً ومقصوداً بالخدمة المدنية ، ووضعوا كوادرهم – غير المؤهلة وغير المدربة –
لقيادة كل المؤسسات الرفيعة فى البلاد ، ولا عجب أنه سرعان ما انهارات تلك
المؤسسات ، فى المجال الاقتصادى والخدمى والاجتماعى والثقافى والرياضى ، بل فى كل
أوجه الحياة السودانية . ولذلك وصلنا الى الحال الذى وصلنا اليه الآن وقبيل ثورة
ديسمبر الظافرة .
ونسبة لأن الخدمة المدنية هى المرتكز الذى تقوم عليه كل أنشطة
الدولة ، ولأنها صمام الأمان لانجاح الخطط التنموية وتحقيق الازدهار الاقتصادى والرفاه
الاجتماعى والتنمية المستدامة ، فاننا نقترح أن يحتل موضوع اصلاح الخدمة المدنية
أولوية قصوى وذلك عن طريق الخطوات التالية :-
-
اعادة
المفصولين من الخدمة المدنية الذين ما يزالون فى مرحلة البذل والعطاء ، وتسوية
أوضاع الآخرين .
-
تكليف
بيت خبرة عالمى فى مجال تخطيط وتنمية
الموارد البشرية ، مع شراكة من الخبرات السودانية ، للقيام بمسح شامل لحالة الدمار
والتدهور التى آلت اليها الخدمة المدنية ، واجراء تحليل علمى لأسبابها ولكل العلل
والأمراض التى أصابتها (مثلاً عن طريق تحليل نقاط القوة والضعف والتحديات والفرص)
، والخروج بتصور شامل ومتكامل لكيفية اعادة هيكلتها واصلاحها والنهوض بها لتكون
لديها القدرة على ادارة "سودان المستقبل" . على أن تستصحب الدراسة معها
القدرات الشبابية الهائلة من الجنسين التى فجرت ثورة ديسمبر المجيدة ، وتستصحب
معها المخزون الاستراتيجى الكبير من العقول والخبرات السودانية المتميزة المنتشرة
فى بلاد العالم .
-
ونقترح أن تشمل سياسات التوظيف
مستقبلاً ، بجانب التأهيل والخبرة ، الآتى :-
·
مراعاة
العدل والمساواة فى التوظيف .
·
التمييز
الايجابى للمناطق الأقل حظاً من التعليم ومن التنمية .
·
اعتماد
التدريب المستمر ورفع القدرات كأحد الحقوق للموظفين والموظفات دون محاباة .
-
كما
نقترح أن يُطلب من بيت الخبرة أن يضع المعايير لاختيار شاغلى الوظائف القيادية فى
الخدمة المدنية . ومن جانبنا نقترح التالى للاهتداء به :
·
المؤهلات
الأكاديمية والعلمية .
·
الخبرة
فى المجال .
·
المعرفة
التامة بأساليب الادارة الحديثة .
·
المعرفة
بفنون تقنية المعلومات والاتصالات وكيفية الاستفادة من الانترنت .
·
الصدقية
.
·
العدل
.
·
الأمانة
المجربة وطهارة اليد .
·
الولاء
الكامل للوطن .
·
المعرفة
التامة بتاريخ وجغرافيا وثقافة وتقاليد أهل السودان ، وبالتركيبة السكانية .
·
القدرة
على العمل بروح الفريق .
·
الانضباط
الأخلاقى والمهنى والسلوكى .
·
القدرة
على الابداع والتجديد والابتكار .
·
القدرة
على الاستفادة من تجارب الآخرين .
·
القدرة
على التواصل مع المؤسسات الشبيهة اقليمياً ودولياً .
ثالثاً : اصلاح التعليم :
ان المتتبع لتاريخ الدول التى حققت طفرة اقتصادية عظيمة ، يجد
أنها فعلت ذلك بفضل اتخاذها للعلم طريقاً لنهضتها ولرسم خريطة تنميتها الاقتصادية
والاجتماعية . ودونك من أمثلة : ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان
والمملكة المتحدة والصين وكوريا الجنوبية والهند وروسيا وكندا ونحو ذلك . وكثير من
دول العالم النامى كانت فقيرة ولكنها بفضل تحضيرها لمنصة العلم للانطلاق نحو
المستقبل ، استطاعت هى بدورها أن تحقق نجاحات مشهودة فى مجال النمو الاقتصادى
والرفاه الاجتماعى لشعوبها ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : سنغافورة وماليزيا
وتركيا واندونيسيا التى اتخذت من التعليم الجيد والتعليم المتخصص والبحوث
والاختراع ، الوقود الفعّال لدفع ماكينة التقدم والتطور . ويرى كثيرون من
المتخصصين فى مجال التعليم ، أن المدرسة هى وكيل المجتمع فى تربية وتنشئة الأجيال
، واعدادهم للحياة عقلياً ووجدانياً وجسمياً وروحياً واجتماعياً . ويتجلى دور
المدرسة بصفة خاصة فى مجال تأكيد الهوية وتنمية الوعى الأخلاقى والسياسى والوطنى
فى ضوء الأساليب الحديثة للتربية التى تتسم بالحوار والمناقشة وتبادل الآراء فى
مناخ تظلله الروح الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة ، بعيداً عن الكبت
والقهر والاذلال . وعليه ، فمتى ما استطاعت قيادة دولة ما من وضع استراتيجية
تعليمية لأبنائها ، فانها حتماً سوف تقطف ثمار تلك الاستراتيجية فى شكل تقدم وتطور
وازدهار .
وأول خطوات النهضة بالتعليم ، بعد اصلاح هياكله واصلاح
السياسات ، هو رفع نسبة المخصص له فى ميزانية الدولة بطريقة كبيرة .
الحكومات الدكتاتورية والعسكرية والشمولية عندنا فى السودان
بشكل عام ، ولكن حكومة المخلوع عمر البشير بشكل خاص ، وعلى مدى ثلاثين عاماً ،
حاربت التعليم والمتعلمين حرباً شعواء : حيث أفقدتهم وظائفهم ، وأودعتهم السجون ،
وأجبرتهم على الهجرة الى الخارج فى ظاهرة هى الأكبر والأوسع فى تاريخ السودان
الحديث . وفى الآونة الأخيرة من عمرها ، جنحت الى قتل المعلمين والطلاب غير آبهة
بقناعة العالم كله : أن قتل معلم أو قتل تلميذ هو قتل أمة !
نحن نعيش اليوم وضعاً مأساوياً للتعليم فى السودان ، ولكونه
هو المفتاح لمحاربة الفقر وتحقيق النمو والازدهار الاقتصادى ، فان على الحكومة
الانتقالية اعتباره أحد قطاعات الأسبقية فى مجهوداتها ، والبدء باحداث ثورة التعليم صدقاً وعدلاً ، لتكون عنوان ثورة ديسمبر
الظافرة ، وذلك عبر الخطوات التالية :
-
اعادة
هيكلة ادارة التعليم وطريقة توظيف المعلمين وابعاد الكوادر الاسلامية وكوادر حزب
المؤتمر الوطنى التى قصد من تعيينها هو احكام السيطرة على هذا القطاع وتسخيره
لترسيخ دولة التمكين .
-
اعادة
النظر فى السلم التعليمى والعودة الى النظام الرباعى لكل مرحلة .
-
اعادة
النظر فى التعليم الخاص من مرحلة الروضة الى المرحلة الجامعية بغرض ضبطه وتحسين
جود ته واخراجه من براثن الأهداف التجارية وتعظيم الربحية التى وقع فيها .
-
اعتماد
مجانية التعليم من المرحلة الابتدائية الى المرحلة الثانوية (العليا).
-
اعادة
نظام الداخليات فى كل مدارس السودان على أن تكون الأسبقية للريف والرحل .
-
الاهتمام
بالمعلمين ودور العلم .
-
ادخال
مقررات الولاء للوطن وحبه واحترامه ضمن مقررات كل المراحل الدراسية حتى المرحلة
الجامعية .
-
الاهتمام
بالتربية السلوكية وفضائل الأخلاق .
-
الاهتمام
بعلوم المعرفة والطب والهندسة والعلوم والتكنولوجيا وتقنية المعلومات والاتصالات .
-
زيادة
نسبة الانفاق على قطاع التعليم الى 20 % من ميزانية الدولة السنوية و 10 % من
اجمالى الناتج المحلى الاجمالى .
-
زيادة
مرتبات المعلمين زيادة كبيرة (تخضع للدراسة والمقارنة) .
-
التخلص
نهائياً من المدارس " القشية " فى السودان .
-
استنفار
طاقة الشباب وكرم الموسرين لتحقيق هدف " مقعد لكل تلميذ فى سن الدراسة "
.
-
وكذلك
البدء الجاد لتحقيق هدف " جهاز كمبيوتر لكل تلميذ فوق سن الرابعة " .
ويمكن الاستفادة من تجربة الأردن فى هذا الخصوص .
رابعاً : خفض الانفاق الحكومى غير الضرورى :
بعد انقضاء العام الأول من عمر الفترة الانتقالية ، والذى
شددّنا فيه على ضرورة خفض الانفاق الحكومى غير الضرورى والذى كان سمة العهد البائد
، مثلما ورد فى بند "خامساً " أعلاه تحت عنوان " ادارة الاقتصاد
الكلى " ، فانه يتوجب الاستمرار ، وبنفس الوتيرة ، فى ذات النهج لبقية الفنرة
الانتقالية . على أن يشمل ذلك كل أساليب هدر المال العام فى التوظيف السياسى الذى
انتهجته حكومة المخلوع عمر البشير . كما لابد أن يشمل ذلك اعادة النظر فى هياكل
الحكم وفى مئات الآلاف من الوظائف التى خُلقت اما لترضيات سياسية أو امعاناً فى
الفساد وخلق المواعين الوهمية لتجريد المواطنين من مواردهم ، وتوجيه تلك الموارد
لمصلحة القطط السمان ومنسوبى الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطنى .
ويندرج تحت هذا البند ضرورة خفض الانفاق الذى يحدث فى
المؤسسات الحكومية من غير أن يقابله انتاج أو تقديم خدمات جيدة . كما يشمل ذلك استهلاك
الكهرباء والمياه والورق والمعينات الكتابية وربط كل ذلك مباشرة بالانتاج . ومن
أبرز البنود فى الموازنة العامة التى يمكن التوفير منها على المدى القصير هو تخفيض
الانفاق على البعثات الخارجية ووقف الصرف البذخى الذى يحدث فى بعض السفارات
والقنصليات ، خاصة تلك التى تجنى أموالاً طائلة من الخدمات (متدنية الجودة )
للسودانيين وغير السودانيين بالخارج ، والتى تفرض رسوماً باهظة ، ويتم هذا وذاك
بدون رقيب أو حسيب ، وبعيداً عن علم وهيمنة وزارة المالية .
وفى كل الأحوال ، فان هنالك ضرورة قصوى لتغيير المنهج الذى
كان يتم به اعداد الموازنة للدولة واجراءات الصرف والسحب . وفى هذا الاطار نقترح
الآتى :-
1. تغيير منهج اعداد الميزانية العامة والانتقال الى
منهج " موازنة البرامج والأداء " .
2. ومن ثم ادخال نظام مؤشرات الأداء الاقتصادى
ومعايير قياس الأثر التنموى للبرامج .
3. ويتبع ذلك أيضاً ادخال نظام محكم للمتابعة والمراقبة
والمساءلة والشفافية .وتطوير قانون ولائحة الاجراءات المالية والمحاسبية ، وقانون
ولائحة المراجعة الداخلية .
4. دفع المرتبات عن طريق منظومة الدفع والتحصيل
الالكترونى مما يؤدى الى خفض عبء فوائد السحب على المكشوف من البنك المركزى واحكام
الرقابة على النقد .
5. يتم صرف البدلات والمكافآت عن طريق التحويلات
البنكية فى حساب الموظف المعنى احكاماً للمراقبة ووقفاً للهدر والفساد .
6. بالنسبة للصرف من الفصل الثانى ، شراء السلع
والخدمات ، لا يتم اجراء التسويات المالية الا لصالح الجهة التى استفادت من هذه
الخدمات . فتخصص الأموال فى الموازنة العامة للوزارات لتقوم هى باجراء التسويات .
7. الاستفادة من الشباب الباحثين عن الوظيفة فى
مشروعات اعادة هيكلة المؤسسات والمشروعات الانتاجية والخدمية ومشاريع البنى
التحتية .
8. ارساء قواعد الحكومة الالكترونية وتحويل كافة
التعاملات والخدمات الورقية الى الكترونية .
9. انشاء مؤسسات الحوكمة .
خامساً : اعادة تأهيل المشروعات الانتاجية
والنهوض بالانتاج
ان الباحث فى التاريخ الاقتصادى للدول ، قديمها وحديثها ، يجد
أن أحد أهم أسباب نهضة وازدهار الدول المتقدمة منها ، هو تركيزها على الانتاج فى
ظل أوضاع سياسية واجتماعية مستقرة . فالانتاج هو الذى يقود الى خلق فرص العمل
الجديدة ، وزيادة حجم السلع والخدمات ، ومن ثم تحسين مستوى المعيشة للمواطنين
وتحقيق الرفاهية الاجتماعية . كما أن زيادة الانتاج تزيد من قدرة البلد على
التصدير وتمكنه بذلك من الحصول على النقد الأجنبى الذى يحتاجه لاستيراد السلع
الضرورية التى لا يستطيع أن ينتجها هو ، أو أن كلفة انتاجها تفوق كلفة استيرادها
من الخارج . والانتاج هو البوابة الحقيقية
للدول لتزيد من ثرواتها ولتعزز مهارات مواطنيها وتهيئ لهم المناخ للتخصص والتميز
والابتكار والابداع .
السودان بلد غنى بموارده البشرية والطبيعية والمائية . ويمتلك
السودان ميزات نسبية فى كثير من مجالات الانتاج ، خاصة الانتاج الزراعى ( انتاج
الحبوب والانتاج الغابى بقيادة الصمغ العربى ، والثروة الحيوانية وانتاج الخضر
والفاكهه ) ، والتصنيع الزراعى والتعدين . وقد تأخر السودان كثيراً فى استغلال هذه
الميزات النسبية ليخلق منها أرضية صلدة للانطلاق الاقتصادى لفائدة أهل السودان
قاطبة . وفى اعتقادنا أن الظروف السياسية الحالية ، والزخم الغامر الذى ينتظم
البلاد يمثل بيئة ملائمة لاعادة الانتاج الى الواجهة والى صدر اهتمامات حكومة
الفترة الانتقالية ، والاهابة بأهل السودان بأنه آن أوان العمل ، وأن المخرج
الاقتصادى الحقيقى لبلادنا هو أن تنتظم البلاد حركة دؤوبة من النشاط فى مجال زيادة
الانتاج وتحسين جودته .
وكخطوة أولى عاجلة فى هذا الطريق ، ينبغى وضع كل الخطط
والترتيبات لاعادة تأهيل المشاريع الانتاجية التى كانت قائمة قبل مجيئ حكومة
الانقاذ والتى طالتها يد التكسير والدمار والفساد . ونذكر منها ، على سبيل المثال
لا الحصر ، الآتى :-
1. مشروع الجزيرة الزراعى .
2. مشروع الرهد الزراعى .
3. مشروع المناقل الزراعى .
4. مشروع خشم القربة ومشاريع نهر القاش ومشاريع دلتا
طوكر .
5. مشاريع مؤسسة جبال النوبة الزراعية .
6. مشاريع مؤسسة النيل الأبيض الزراعية .
7. مشروع السميح فى ولاية شمال كردفان .
8. جميع مشاريع السكر .
9. جميع مشاريع النسيج .
ولما كان الوقت المتاح فى
الفترة الانتقالية لن يكفى للقيام بكل ما يطمح اليه الشعب السودانى فى مجال ثورة
الانتاج ، فاننا نقترح أن تركز حكومة المرحلة الانتقالية على مسألتين هامتين فى
هذا الخصوص ، وهما :-
1. ابتدار مشاريع انتاجية قومية جديدة فى ولايات
دارفور ، وولايات كردفان ، وولايات النيل الأزرق وولايات الشرق ، فى اطار تحقيق
هدف احداث التنمية الريفية وعدالة توزيع الموارد على صعيد القطر كله .
2. بدء واكمال دراسات الجدوى لعدد من المشروعات نذكر
منها على سبيل المثال : المسالخ وتصنيع الصمغ العربى بغرض تصديره مصنعاً ، وانشاء
السدود الصغيرة والمتوسطة خاصة فى دارفور فى أودية مثل وادى أزوم ووادى سندو ووادى
كايا ووادى قندى ووادى بلبل ووادى نيالا . وينطبق ذات الأمر على ولايات كردفان
الكبرى وجنوب النيل الأزرق .
كما أرجو أن تشمل دراسات الجدوى
مسألة التحول التدريجى من الزراعة كرائد للنهضة الاقتصادية فى السودان الى الصناعة
عبر التصنيع الزراعى ، ثم الى انتاج السلع ذات القيمة المضافة الأعلى وصولاً الى
اشاعة اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمى .
كما يتوجب على حكومة المرحلة
الانتقالية تهيئة المناخ للقطاع الخاص وللمستثمرين وتحفيزهم والاعتراف بهم كشركاء فى
عملية الانتاج التى تقود الى النهضة الاقتصادية . وفى ذات السياق ، ينبغى عقد
الشراكات الذكية مع المؤسسات والشركات الأجنبية التى حققت قصصاً للنجاح فى مجال
الانتاج بفروعه المختلفة والمتعددة . وهذا حرى بأن يجلب للوطن آخر ما توصل اليه
العلم والمعرفة فى مجال التقنيات الحديثة فى الانتاج والمهارات الادارية .
سادساً : اعادة تأهيل مشروعات
البنية التحتية :-
تعتبر البنية التحتية العمود
الفقرى والمرتكز الأساسى الذى تعتمد عليه الدولة والمستثمرون والمنتجون فى
مجهوداتهم لتحقيق الازدهار الاقتصادى والتنمية الاجتماعية . وهى تشمل الطرق
والكبارى والسكك الحديد والموانئ والنقل البحرى والنقل النهرى والجسور والأنفاق
وشبكات المياه والصرف الصحى والطاقة والكهرباء والاتصالات . كما يشمل ذلك البنية
التحتية الاجتماعية مثل المدارس والمستشفيات والمكتبات والحدائق والمنتزهات
والمنتجعات السياحية وأماكن الرياضة الجماهيرية وأماكن الترفيه . فالبنية التحتية هى
الهياكل التنظيمية اللازمة والمرافق والخدمات الضرورية اللازمة لكى يعمل الاقتصاد
والمجتمع فى آن واحد .
ولقد أصاب قطاع البنية التحتية
ما أصابه من اهمال وتردى فى عهد الحكومة البائدة ، فانعكس ذلك سلباً على الأداء
الاقتصادى فى مجالى الانتاج والاستهلاك وفى مجال الرفاه الاجتماعى بشكل عام .
ولتمكين ماكينة الاقتصاد من الدوران مرة أخرى ، وبشكل حثيث ، فلابد من التحرك على
ثلاثة مراحل :-
-
الصيانة
والتأهيل العاجل لهذه المرافق . ونذكر هنا على وجه الخصوص ، وفى مجال الطرق ، طريق
أم درمان – بارا والذى نفذ على عجل وبدون مراعاة للمواصفات الفنية والهندسية ، وباغفال
تام لدراسة وتحليل التربة والمناخ ومعدلات هطول الأمطار مما أدى الى انقطاعه فى
أكثر من موقع عدداً من المرات على مدى الثلاثة سنوات الأخيرة . فهذا الطريق يحتاج
الى كبارى رئيسية وأساسية ، والى أن يوسع عرض الطريق وتصمم له " كتوف "
ويشذب جانباه على طول الطريق للسماح بسير ذوى الرواحل والحيوانات والراجلين .
ولابد أن تشمل الصيانة العاجلة طريق التحدى فى الشمال وطريق الخرطوم – مدنى وطريق
الخرطوم – ربك – كوستى – تندلتى . أم روابة – الرهد – الأبيض . وكذلك طريق الخرطوم
– بورتسودان وطريق الأبيض – النهود .
-
الصيانة
والتأهيل المتأنى .
-
زيادة
قوة فاعلية القطاع ، كماً ونوعاً ، عن طريق ضخ استثمارات كبيرة بواسطة القطاع
العام والقطاع الخاص والقطاع المشترك بشقيه المحلى والأجنبى . ويحتاج بناء قطاع
البنية التحتية الى دراسات معمقة وتمويلات ضخمة ، ومن هنا تبرز الحاجة الى ضرورة
تطبيع العلاقة مع مؤسسات التمويل الاقليمية والدولية للمساهمة بدءاً بتمويل دراسات
الجدوى الاقتصادية والفنية وانتهاء بالتمويل والتنفيذ . ويمكن للحكومة الانتقالية
أن تركز على مرحلة البحوث والدراسات واكمال دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية لبعض
المشاريع القومية الكبرى ، على سبيل المثال :
·
طرق
المرور السريع الحديثة الرابطة لأجزاء الوطن : من الجنينة الى بورتسودان ، ومن
حلفا الى أبى يى ، بثلاثة مسارات .
·
ربط كل
أجزاء السودان بشبكة السكة الحديد .
·
مشروع
الربط النهرى الحديث مع دولة جنوب السودان
.
·
شبكة
الطرق الريفية فى كل أقاليم السودان .
·
تطوير
شبكة الكهرباء لتعم كل أرجاء السودان بمدنه وقراه وأريافه .
·
المشروع
القومى لمياه الشرب .
·
توصيل
الانترنت لكل أرجاء البلاد .
·
صيانة
وتأهيل المستشفيات القائمة وابتدار مشروعات مستشفيات كبيرة ومتخصصة على نطاق القطر
.
·
صيانة
وتأهيل المدارس والجامعات والمعاهد ومراكز البحوث ودور العلم بشكل عام ، وابتدار
مشروعات جامعات ومعاهد ومراكز تدريب جديدة عالية التخصص والتميز .
سابعاً : تطبيع العلاقات مع مؤسسات التمويل
الاقليمية والدولية :
ان توفر التمويل بالحجم الكافى وفى الوقت المناسب ، هو العامل
الحاسم فى عملية احداث النمو الاقتصادى والتنمية والرفاه الاجتماعى ، وذلك بمكونيه
المحلى والأجنبى . ففى اطار توفير المكون المحلى ، اقترحنا أن حملة جادة لاسترداد
أموال الشعب المنهوبة من قبل منسوبى النظام البائد ، سوف تقطع شوطاً كبيراً فى سد
فجوة الطلب على هذا المكون فى الفترة الانتقالية ، اضافة على ما ستقوم الحكومة من
استحداثه من ضرائب غير تقليدية ووسائل أخرى لزيادة مواردها الذاتية . أما المكون
الأجنبى ، والذى سيكون الطلب عليه فى أشده ، فيقتضى ، وبالسرعة اللازمة ، تطبيع
العلاقات مع مؤسسات التمويل الاقليمية والدولية واعادة دمج الاقتصاد السودانى فى
الاقتصاد العالمى . فقد أوصلت حكومة " الانقاذ " هذه العلاقات الى مرحلة
الجمود مع كل هذه المؤسسات تقريباً ، وذلك بسبب الفساد المالى والادارى الذى صاحب
كثيراً من أوجه طلب القروض واستخداماتها . ولكن يبقى السبب الأبرز الذى أوصل علاقة
هذه المؤسسات المالية الى القطيعة ، هو سماح حكومة المخلوع عمر البشير لمستحقات
هذه المؤسسات على السودان الى التراكم عبر السنوات من غير أن تعير هذه المسألة أية
أهمية رغم توفر القدرة على السداد فى أغلب الأحوال . ومن هذه المؤسسات المشار
اليها ، التالى :-
1. البنك الدولى
2. صندوق النقد الدولى
3. مؤسسة التمويل الدولية
4. بنك التنمية الافريقى
5. البنك الاسلامى للتنمية
6. المؤسسة الاسلامية لتنمية القطاع الخاص ( التابعة
للبنك الاسلامى للتنمية ) .
7. المؤسسة الدولية الاسلامية لتمويل التجارة (
التابعة للبنك الاسلامى للتنمية ) .
8. المؤسسة الاسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان
الصادرات ( التابعة للبنك الاسلامى للتنمية ) .
9. الصندوق العربى للانماء الاقتصادى والاجتماعى .
10.
الصندوق
السعودى للتنمية .
11.
الصندوق
الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية .
12.
صندوق
أبوظبى للتنمية .
13.
صندوق
قطر للتنمية .
14.
صندوق
الأوبك للتنمية الدولية .
15.
صندوق
النقد العربى .
16.
برنامج
الخليج العربى لدعم منظمات الأمم المتحدة الانمائية ( أجفند ) .
17.
المصرف
العربى للتنمية الاقتصادية فى افريقيا ( باديا ) ( السودان غير مؤهل للاقتراض من
هذا المصرف ) .
ويتراوح تطبيع العلاقات مع هذه المؤسسات بين السداد الكامل
للمتأخرات أو السداد الجزئى أو اعادة الجدولة أو اعفاء الدين فى حالة المؤسسات
الدولية . ولعل أهم خطوة فى هذا الشأن ، هو السعى لاعفاء ديون السودان البالغ
قدرها 65 مليار دولار تقريباً .
كما يتوجب على الحكومة الانتقالية ، السعى بكل ما أوتيت من
قوة للحصول على المساعدات المادية والعينية من الدول الصديقة ، واستنفار جهود
السودانيين العاملين بالخارج فى هذا الخصوص .
ثامناً : تحقيق الأمن الغذائى وتأمين المخزون
الاستراتيجى :
ركزت دول العالم تحت راية الأمم المتحدة فى صياغتها "
للأهداف الانمائية للألفية الجديدة : " 2000 – 2015 م " ، و "
اهداف التنمية المستدامة : 2015 – 2030 " ، على ضرورة القضاء على الفقر
والجوع ، وتحقيق الأمن الغذائى وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة للوصول
الى مرحلة " صفر " للجوع كانجاز اقتصادى واجتماعى . واستطاعت دول مثل
الصين ، التى يبلغ عدد سكانها اليوم 1,399 مليار نسمة . والهند التى يبلغ عدد
سكانها حالياً 1,374 مليار نسمة ، من تحقيق كل احتياجات السكان من الغذاء ، بل ان
الهند قد استطاعت أن تحقق فوق ذلك أكبر مخزون من الغذاء فى العالم ، بجانب تفوقها
فى تصدير كثير من سلع الغذاء .
ويعتبر الأمن الغذائى فى أى مجتمع من المجتمعات من أهم
أولويات السياسة الإقتصادية والإجتماعية ويرتبط إرتباطاً مباشراً بالأمن القومى
واستقلالية القرار السياسى والإقتصادى، ونجد أن كثيرين من الكتاب فى مجال الأمن
الغذائى يرون بأن الدول التى لا تنتج قوتها لا تملك قرارها. بل إن بعضهم ذهب إلى
أبعد من ذلك حين قرر أن السلاح القادم لأمريكا سوف يكون هو القمح !
ويعّرف الأمن الغذائى بأنه قدرة المجتمع على توفير إحتياجاته
الغذائية الأساسية لأفراده وضمان الحد الأدنى من تلك الإحتياجات بإنتظام، سواء عبر
إنتاج السلع الغذائية، أو عبر حصيلة كافية من عائدات التصدير لإستخدامها فى
إستيراد ما يلزم لسد النقص فى الإنتاج الغذائى بصورة تضمن عدم تعرض المجتمع لأية
أزمات غذائية، ودون ضغوط من أى مصدر كان وفى أى وقت.
وتعرف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) الأمن الغذائى
بأنه يعنى : " توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين
للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة". من ناحية أخرى،
فإن الفجوة الغذائية تمثل الفرق بين إنتاج الغذاء والطلب عليه.
ومن هذا المنطلق، فسوف نرى أن العالم العربى عموماً، والسودان
إلى حدٍ كبير، لا يزال يعانى من فجوة مزمنة فى الغذاء.
وكما هو معروف، فإن هناك علاقة وثيقة وعضوية بين الأمن
الغذائى ومقومات الإنتاج الزراعى الذى عليه تتوقف مهمة تحقيق الإكتفاء الذاتى من
المنتجات الغذائية. ولكى تتمكن أى دولة من تحقيق أمنها الغذائى، فعليها تحسين
مستوى إنتاج الأغذية وذلك من خلال إعطاء الأفضلية للقطاع الزراعى فى التنمية
الإقتصادية والإجتماعية عبر وضع سياسات زراعية تضمن تحسين مستوى أسعار المنتج
الزراعى وإدخال التقنيات الحديثة فى عملية الإستثمار وزيادة الإستثمارات فى القطاع
الزراعى وتطوير مشروعات الرى وإتباع أساليب الرى الحديثة. كما يتوجب تحفيز
المزارعين ودعمهم وتخفيف الأعباء عنهم ليتمكنوا من الإستمرار فى الزراعة وضمان عدم
تحولهم عنها لأعمال أخرى أكثر ربحية.
إن قضية الأمن الغذائى وتأمينه تشكل تحدياً مزمناً ومؤرقاً
لكل دول العالم، خاصة فى السنوات الأخيرة، حيث أدت الظروف المناخية وإنخفاض مستوى
المياه الجوفية إلى تراجع المساحات المزروعة وإلى ضعف الإنتاجية مع الإزدياد
الكبير فى عدد السكان والذى صار يمثل تحدياً حقيقياً للمعنيين بالإنتاج الزراعى
لكون الزيادات السكانية تفوق كثيراَ الزيادة فى الإنتاج الزراعى. نضيف إلى ذلك
الهجرة من الريف إلى المدن، والتى يمثل الشباب النسبة الأعظم منها، تاركين الإنتاج
الزراعى ومتحولين إلى جيوش المستهلكين فى المدن. أدى كل ذلك إلى إزدياد وتيرة
إستيراد الغذاء من الأسواق الخارجية فى ظل شح كبير لموارد النقد الأجنبى والذى كان
من المفروض أن يناط به فى الأساس إستيراد معينات الإنتاج الزراعى التى لا تنتج
محلياً.
إذاً فالبديل يبدو واضحاً وجلياً، وهو إستخدام طرق وأساليب
متطورة فى الإنتاج الزراعى تعتمد البحث العلمى كركيزة أساسية، واستنباط أصناف و
أنواع عالية الإنتاج ومقاومة للجفاف والأمراض.
وفى موضوع ذى صلة، فإن الجوع هو أخطر داءٍ يمكن أن يصاب به
مجتمع من المجتمعات. فالجوع الناتج عن شح الغذاء أو إرتفاع سعره ماهو إلا تعبير
لمفردات أخرى أكثر قسوة وأكثر إيلاماً وهى الفقر وعدم إمتلاك قوت اليوم. ويعتبر
الفقر ونقص التعليم هى الأسباب الرئيسية لتفشى الجوع وسوء التغذية ومن أهم العقبات
أمام تحقيق الأمن الغذائى. ولعل هذا ما حدا بزعماء العالم أن يجتمعوا فى الخامس
والعشرين من سبتمبر من عام 2015 م تحت قبة الأمم المتحدة فى نيويورك ويتواثقوا على
ضرورة تحقيق الهدف الثانى من أهداف التنمية المستدامة الذى يلتزم بالقضاء التام
على الجوع وتحقيق اللأمن الغذائى وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة بحلول
عام 2030 م. وهو ما صار يعرف، اختصاراً، بخفض الجوع إلى نسبة صفر فى المائة !
فالجوع يؤدى إلى تراجع مستوى الصحة العامة وتفشى أمراض سوء
التغذية بسبب عدم قدرة الفئات الفقيرة على تنويع مصادر غذائها وشراء غذاء صحى
وسليم. كما يؤدى الجوع إلى تدنى العلاقات الإجتماعية نتيجة التصارع على الموارد
الغذائية، وتتراجع حالة الأمن الإجتماعى بسبب تزايد ظاهرة السرقات.
ويقدر عدد الجياع فى العالم اليوم ب 925 مليون شخص، وإن هذا
العدد مرشح للإرتفاع إلى 2 مليار و925 مليون شخص بحلول عام 2050م إذا لم تتخذ
إجراءات عاجلة لوقف التدهور فى إنتاج الغذاء.
وتعيش الغالبية العظمى من الجوعى فى العالم بالبلدان النامية.
كما توجد فى هذه البلدان نسبة 14 % من السكان يعانون من نقص التغذية. اسيا هى
القارة التى تضم معظم الجوعى حيث يشكلون ثلثى مجموع الجوعى. أما أفريقيا جنوب
الصحراء الكبرى فهى المنطقة التى تشهد أعلى نسبة إنتشار للجوع (كنسبة مئوية من
السكان)، حيث يعانى واحد من كل اربعة أشخاص فى تلك المنطقة من نقص التغذية. ويمثل
سوء التغذية حوالى النصف (45%) من حالات وفيات الأطفال دون سن الخامسة، أى 3,1
مليون طفل سنوياً. ويعانى طفل واحد من كل أربعة أطفال فى العالم من توقف النمو،
وفى البلدان النامية قد يرتفع المعدل إلى واحد من بين ثلاث أطفال. بينما يحضر 66
مليون طفل فى سن المرحلة الإبتدائية الدراسة وهم جوعى فى شتى أرجاء العالم النامى،
منهم 23 مليون طفل فى أفريقيا وحدها.
ومما تقدم يتضح لنا أهمية البحث الدائم والمستمر عن السبل
الكفيلة للقضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائى للسكان، وهذا يتحقق من خلال دعم
الجهود والمبادرات البحثية الهادفة لزيادة إنتاجية المحاصيل الغذائية بما يتناسب
مع النمو المتزايد للسكان، وإعادة النظر فى السلوك الغذائى للمواطنين وأنماط
الإستهلاك السائدة والعادات الغذائية.
وبصفة خاصة فإنه يتوجب دراسة كل الأوجه التى يتم فيها هدر الطعام، فقد وجدت منظمة
الغذاء العالمية أن هناك 1,3 مليار طن من الطعام تهدر سنوياً، وهو ما يعادل ثلث
الغذاء المنتج على نطاق العالم وبتكلفة تقدر بما يقارب 1 ترليون دولار أمريكى.
ويحدث هذا الهدر فى مراحل الإنتاج والحصاد والإعداد والتوزيع والإستهلاك. وتشير
المعلومات كذلك إلى أن المستهلكين فى البلدان الغنية يقومون كل عام بإهدار (222
مليون طن) من الغذاء، أى بقدر كامل شبكة إنتاج الغذاء الخاصة بجنوب الصحراء الكبرى
بأفريقيا (230 مليون طن). من ناحية أخرى، فإنه يمكن للغذاء المهدور حالياً فى
أوروبا أن يطعم (200 مليون شخص). ويمكن للغذاء المفقود حالياً فى إفريقيا أن يطعم
(300 مليون شخص). وتحدث (40%) من الخسارات بالدول النامية فى مستويات ما بعد
الحصاد والإعداد.
ولكل هذه الأسباب أعلاه، أطلقت منظمة الغذاء العالمية الحملة
العالمية لوقف هدر الطعام تحت شعار:" فكّر، كّل، وفّر :أوقف هدر
الطعام".
من ناحية أخرى، فإن
ديننا الحنيف قد عالج قضايا الجوع فى أماكن عدة من القرآن الكريم. فقد قال تعالى
على لسان سيدنا ابراهيم : " ربنا إنى أسكنت من ذريتى بوادٍ غير ذى زرعٍ عند
بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدةً من الناس تهوى إليهم وارزقهم من
الثمرات لعلهم يشكرون) – ابراهيم (37) . وقال تعالى فى محكم تنزيله : "
فليعبدوا رب هذا البيت * الذى اطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف " – قريش (3-4) .
أما رسولنا الكريم ، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، فقد دعا إلى تعميم روح
التكافل الإجتماعى وإطعام الجائع، حيث قال: "ما آمن بى من بات شبعان وجاره
جائع إلى جنبه".
وتحقيق الأمن الغذائى
يمر بثلاثة مستويات:
1.ضرورة إنتاج كميات كافية من الأغذية السليمة والجيدة
النوعية، أو استيرادها.
2. توافر فرص الحصول على الأغذية، ويعنى ذلك أن توزع وتتوافر
محلياً، وأن تكون أسعار السلع فى متناول يد جميع الناس.
3. لكى تحقق الأسر الأمن الغذائى، فلا بد أن تمتلك الوسائل
لإنتاج أو شراء الأغذية التى تحتاجها.
وحتى تتضح الصورة جلية، فإننا نقول إن تحقيق التنمية
المستدامة يقتضى بالضرورة الإهتمام بالتنمية الزراعية لضمان نمو زراعى يتوازن مع
ضغط النمو السكانى والمتطلبات المتزايدة للغذاء، إضافة إلى مساهمتها فى دعم ميزان المدفوعات. وينبغى أن يحدث هذا
الإهتمام بالتنمية الزراعية مراعين هدف المحافظة على البيئة واستدامة الموارد
الطبيعية وتنميتها. وتمثل الزراعة والتنمية الريفية لب التنمية المستدامة. فبحلول سنة 2025 م ستعيش نسبة قدرها 83 % من سكان
العالم فى بلدان نامية. ومع ذلك، فإن قدرة الموارد والتكنولوجيات المتاحة على
تلبية إحتياجات هذا العدد المتزايد من السكان من حيث الغذاء والسلع الزراعية
الأخرى ما زالت غير مضمونة. فنسبة لتدنى إنتاجية الزراعة فى البلدان النامية،
فإننا نجد أن نسبة قدرها 70 % من السكان يعملون لينتجوا 30 % فقط من الناتج
القومى. وتوفر 500 مليون مزرعة صغيرة فى جميع أنحاء العالم، يعتمد معظمها على
الأمطار، ما يصل إلى 80 % من الغذاء المستهلك فى جزء كبير من العالم النامى.
والإستثمار فى أصحاب الحيازات الصغيرة من النساء والرجال هو طريقة هامة لزيادة
الأمن الغذائى والتغذية للأشد فقراً، فضلاً عن زيادة الإنتاج الغذائى للأسواق
المحلية والعالمية. ويوجد 1,3 مليار شخص فى العالم لا يحصلون على الكهرباء، حيث
يعيش أغلب أولئك فى المناطق الريفية من العالم النامى. والفقر فى مجال الطاقة يشكل
فى عديد المناطق عائقاً رئيسياً أمام خفض الجوع وإنتاج ما يكفى العالم من الغذاء.
وفى ضوء كل أعلاه ، نقترح وضع خطة زراعية ( فى اطار الخطة
التنموية متوسطة المدى ) يشترك فى وضعها مع المختصين الجهود الأهلية والشبابية
والجامعات بهدف احداث تحول نوعى فى طبيعة الزراعة عندنا فى السودان . ونقترح فى
هذه الأثناء ، والى حين اكتمال الخطة الزراعية الشاملة ، اتخاذ الخطوات التالية :
-
وضع
السياسات والتشريعات وسن القوانين لدعم القطاع الزراعى وتحسين توزيع الأراضى
وحماية البيئة .
-
اتخاذ
كافة الخطوات التى تضمن انسياب التمويل للقطاع الزراعى .
-
تطوير
وتأمين موارد المياه والاستفادة من مياه الأودية والخيران وانشاء السدود الصغيرة (
الاستفادة من تجربة المغرب الرائدة فى هذا الاطار) لوقف ارتهان الزراعة بالأحوال
الجوية والتقلبات المناخية .
-
تحديث
المعلومات والاحصاءات عن موقف الأمن الغذائى فى السودان بالتنسيق مع الأمانة
الفنية للأمن الغذائى لحكومة السودان المنشأة بموجب الاتفاق بين منظمة الأغذية
والزراعة ( الفاو ) والاتحاد الأوربى .
-
انشاء
مراكز البحوث الزراعية ومراكز اكثار البذور المحسنة عالية الانتاجية واستنباط
أصناف جديدة سريعة النضج ومقاومة للجفاف والآفات ، وتنشيط دور الارشاد الزراعى
كنشاط مفصلى فى تحقيق زيادة الانتاجية والاستعانة بالحقول الايضاحية والحقول
الارشادية .
-
انشاء
المراكز البيطرية لصحة الحيوان وتطوير الثروة الحيوانية عن طريق التلقيح الصناعى
وادخال سلالات جديدة محسنة عالية الانتاجية فى مجالى انتاج اللحوم والألبان .
-
انشاء فروع فى كل انحاء السودان لشبكة " عاملى صحة
الحيوان " التى تدعمها منظمة الأغذية والزراعة ( الفاو ) ، وذلك من أجل تدريب
هذا القطاع ومن أجل تسهيل عملية تبادل المعلومات والاحصاءات على مستوى القطر .
-
انشاء مراكز للطاقة البديلة ( خاصة الطاقة الشمسية وطاقة
الرياح ) لحل مشكلة ضخ المياه الجوفية لأغراض الزراعة ، وكهربة العمليات الزراعية
بصورة عامة .
-
بناء الصوامع والمخازن ( والمطامير) لتأمين المخزون
الاستراتيجى للأمن الغذائى والتحوط للحالات الطارئة .
-
تهيئة المناخ الاستثمارى للمستثمرين السودانيين والأجانب
الراغبين فى الاستثمار فى الزراعة ومجال الأمن الغذائى .
-
التوسع فى زراعة الغابات والأحزمة الشجرية وفق خطة محكمة
وادارة تتسم بالخبرة والمعرفة التامة بالغابات ، وتتسم بالغيرة على سلامة الغابات والعزم
على الحفاظ عليها وبالولاء التام للوطن.
-
اعادة توطين الحياة البرية فى كل أرياف وربوع السودان .
-
توفير البنية التحتية الزراعية شاملة الطرق والسكك
الحديد والطاقة والمياه ومواعين التخزين والاتصالات والأسواق وفروع البنوك ومراكز
الشرطة .. الخ .
-
بناء قدرات المنتجين والكوادر الزراعية .
-
اختيار ( قصص النجاح ) وأسلوب ( أفضل الممارسات ) فى
زيادة الانتاجية وتحسين الجودة لمختلف المنتجات الزراعية المراد تحقيق الطفرة فيها
من منظومة القصص من داخل السودان وخارجه .
-
تطبيق أحدث ما توصل اليه العلم والتكنولوجيا فى مجال
الانتاج الزراعى .
تاسعاً
: اصلاح بيئة العمل ومناخ الاستثمار
يلعب القطاع الخاص دوراً مفصلياً فى تحقيق النمو الاقتصادى
المستدام الذى يحقق بدوره خلق فرص العمل وزيادة الدخل على مستوى الأفراد والدولة .
فالقطاع الخاص يملك الديناميكية والقدرة على المبادرة والابتكار وشهية أكبر لركوب
المخاطر مما يعطيه فرصة أوسع للمنافسة فى الأسواق المحلية والعالمية ، وهو ما ليس
متاحاً للقطاع العام . والاتجاه العام فى العالم اليوم فى اطار الرغبة لتحقيق
النمو الاقتصادى ، هو اعطاء دور أكبر للقطاع الخاص . وتفعيل نظام السوق ووضع
السياسات والأنظمة والقوانين الملائمة لذلك ، وتحرير التجارة واعادة صياغة دور
الدولة من مهيمن على النشاط الاقتصادى ومنفذ للمشاريع الانتاجية الى منظم للحياة
الاقتصادية وراع ورقيب لعمل القطاع الخاص والقطاعات الأخرى ، بما يحقق النمو
الاقتصادى والتنمية المستدامة والعدالة ومعالجة ظواهر الفقر والبطالة .
ويأتى الاهتمام بالقطاع الخاص لقدرته على :
-
زيادة
حجم ونسبة الاستثمار الى الناتج المحلى الاجمالى .
-
زيادة
الانتاجية وتحسين الجودة حتى يقوى على المنافسة فى السوق .
-
خلق
فرص كثيرة ومتنوعة فى مجال التشغيل والعمل .
-
المساهمة
الفاعلة فى دعم ايرادات الخزينة العامة .
-
ادخال
أنماط جديدة ومبتكرة فى أساليب الانتاج و أساليب الادارة وعقد الشراكات الذكية .
-
تطبيق
نتائج البحوث والتطوير .
-
استغلال
فوائد العلوم والتكنولوجيا .
ولكن لكى يقوم بدوره على الوجه الأكمل ، فان القطاع الخاص السودانى
يواجه تحديات جمة ومشاكل عصيبة يتوجب مواجهتها واصلاحها حتى يستطيع القيام بالدور
المنوط به فى تحقيق الازدهار والتنمية الاقتصادية عن طريق اصلاح البيئة التى يعمل
فيها وتحسين مناخ الاستثمار الذى يحكمه . وتسهيلاً لعملية تحويل التوصيات فى هذا
الخصوص الى سياسات وتشريعات ، دعونا نقترح الآتى :-
1. ضرورة القضاء على الفساد الذى ضرب القطاع الخاص نفسه ، وفك
الارتباط بينه وبين المتنفذين من قيادات الحكم البائد وقيادات الحركة الاسلامية
ومنسوبى حزب المؤتمر الوطنى . وتنقية القطاع الخاص من الممارسات الطفيلية والأعمال
الهامشية وأنشطة الدمار الاقتصادى .
2. تحقيق الاستقرار الاقنصادى الكلى عن طريق تحقيق التوازن
الاقتصادى الداخلى والتوازن الاقتصادى الخارجى ( التوازن فى ميزان المدفوعات ) ،
ويشمل ذلك السيطرة على التضخم وعلى سعر العملة الوطنية ، ورسم وتخطيط السياسات
التى تضمن استقرار الأسعار وخفض معدل البطالة .
3. توجيه السياسة المالية والنقدية لتحفيز وتشجيع الانتاج
والتجارة الخارجية .
4. اتخاذ سياسات التشغيل التى تساند وتدعم دور القطاع الخاص .
5. أن تقوم الدولة بالصرف على التعليم الجيّد والمتخصص وبرامج
تنمية الموارد البشرية ، والعناية بالبحوث والتطوير ، خاصة فى المجالات الحيوية
لعمل ونشاط القطاع الخاص .
6. تيسير القروض المصرفية للقطاع الخاص .
7. تشجيع الادخار وازالة التشوهات فى سعر الفائدة .
8. خفض الضرائب والرسوم على القطاع الخاص وفق ما يحقق أولويات
خطة التنمية .
9. زيادة الانفاق الحكومى العام يؤدى الى زيادة الطلب على
السلع والخدمات ، وهذا من شأنه أن يحفز القطاع الخاص على زيادة الاستثمار للتوسع
فى الانتاج استجابة لزيادة الطلب .
10. زيادة الانفاق الحكومى على البنية التحتية ( الطرق –
السدود – الكهرباء – المواصلات – الاتصالات – الصرف الزراعى والصناعى – المدن
والمجمعات الصناعية – الأمن – البحوث والتطوير .... ) له أثر تحفيزى وتكاملى على
الاستثمار الخاص .
11. حسن استغلال القروض الخارجية من قبل الدولة ، وصرفها
لاستيراد السلع الرأسمالية الضرورية من آلات ومعدات ومصانع ، وفى مشاريع استثمارية
مجدية . فى هذه الحالة تكون الديون الخارجية محفزاً للقطاع الخاص ، فينمو الاقتصاد
بمعدلٍ يمكنه من سداد تلك القروض بدلاً من أن تكون مكبلاً له اذا ما أسيئ
استغلالها وعجزت الدولة عن السداد .
12. توفير الاستقرار السياسى ، لكونه أحد مقومات البيئة
الاقتصادية ، وعنصر من عناصر المناخ الاسنثمارى . ويشمل الاستقرار السياسى درجة
تحضر السكان وشيوع الحقوق السياسية والحريات المدنية .
13. توفير الاستقرار التشريعى . لا يستطيع القطاع الخاص
التخطيط ولا الاطمئنان فى ظل سياسات تشريعية متذبذبة ولا تستقر على حال .
14. اعادة النظر فى قوانين الاستثمار الاتحادية والولائية
لازالة التضارب فى الصلاحيات ، واحكام عملية استثمار رؤوس الأموال وقوانين التصدير
والاستيراد وقوانين النقد الأجنبى ونحوها .
ان التحضير الواعى لهذه السياسات والاجراءات المذكورة بعاليه
ستشجع القطاع الخاص للدخول فى أنشطة واستثمارات جديدة تقوم بدعم حركة الانتاج
الاقتصادى وحركة التصدير اللذان يقودان الى ارساء قواعد النهضة والازدهار .
عاشراً : تشجيع وتنمية قطاع الصادرات
يوجد الآن عددٌ كافٍ من الأدلة ، على صعيد العالم وعلى صعيد
دول العالم النامى ، بأن قطاع الصادرات يمكن أن يكون مرتكزاً قوياً لعملية النهضة
الاقتصادية وتحسين أحوال الشعوب فى كافة المجالات . وصارت استراتيجيات وسياسات
تشجيع وتنمية الصادرات تمثل أحد أهم الأمور فى منظومة السياسات الاقتصادية التى
تتطلع الى تحقيق الطفرة الاقتصادية . فدولٌ مثل اليابان وألمانيا والصين والهند
وكوريا الجنوبية وماليزيا وتركيا وجنوب افريقيا وكينيا قد حققت نجاحاً كبيراً فى
هذا المضمار .
وقد أوضحنا فى البنود خامساً وثامناً وتاسعاً من هذه الورقة ،
أن السودان يملك من الموارد الطبيعية والبشرية ما يمكنه من انتاج حاجته من الغذاء
، وما يمكنه ، فوق ذلك ، من خلق فوائض كبيرة للتصدير من مختلف السلع والخدمات .
ومن ثم تصير التجارة ، والسياسات المشجعة والمحفزة لها ، ركناً أساسياً من أركان
ادارة الاقتصاد الكلى . فزيادة الصادرات وتنويعها تعد معياراً أساسياً لزيادة
القيمة المضافة للناتج المحلى الاجمالى وتحسين معدل التبادل التجارى وما يصاحب ذلك
من تحسن فى الميزان التجارى وميزان المدفوعات . وزيادة الناتج المحلى الاجمالى بدورها
، فى ظل سياسات اقتصادية رشيدة ، تمكن من التحكم فى سعر صرف العملة الوطنية وفى
معدلات التضخم والبطالة وتحقيق العدالة فى توزيع الدخل . ولكن ينبغى لنا أن نتذكر أنه فى الحالة السودانية فى عهد
النظام البائد ، قد تعرضت التجارة الخارجية الى ثلاث معضلات كؤودة تمثلت فى الآتى
: -
1. ضعف الفائض المتوفر للتصدير نتيجة التدنى المريع
فى انتاج بعض السلع ، خاصة السلع الزراعية والصناعية المرتبطة بها .
2. الفساد الذى تمثل فى التلاعب بحصائل الصادر
وتجنبيها كاملة لصالح المصدرين فى كثير من الحالات .
3. وجود عدد كبير من المعوقات تمثلت فى السياسات
والاجراءات والقرارات الفوقية من قبل الجهاز التنفيذى للدولة . وقد وصل الفساد الادارى
حداً صارت قرارات الاستيراد والتصدير تفصل تفصيلاً لمصلحة بعض الشركات أو الأفراد
من عائلة الرئيس أو المتنفذين فى حكومته أو منسوبى الحركة الاسلامية أو منسوبى
المؤتمر الوطنى . فأضر ذلك بالتجارة الخارجية ضرراً بليغاً وساءت سمعة كثير من صادرات البلاد وفقدنا أسواقاً تاريخية
هامة .
4. ولذلك يتوجب ، وعلى جناح السرعة ، اتخاذ
الاجراءات وسن السياسات والقوانين واللوائح التى يمكن بها وقف الدمار الذى أصاب
هذا القطاع ، ويعيد اليه العافية والحيوية التى يحتاجها الاقتصاد السودانى
للانطلاق . ومن هذه الخطوات المطلوبة نذكر على سبيل المثال ، لا الحصر ، الآتى : -
1. تنقية القطاع من الادارات
الفاسدة وتلك المرتبطة بالنظام البائد .
2. اعادة النظر فى كل القوانين
المالية والنقدية من منظور الغاء ما هو معوق لحركة الصادرات ونموها والابقاء على
ما هو محفز وتطويره .
3. تنشيط بنك الاستيراد
والتصدير وتحديثه ليواكب مجريات التجارة الدولية الآنية .
4. تقديم الحوافز للمصدرين
للسلع ذات القيمة المضافة العالية ، وتلك التى يملك فيها السودان ميزة تنافسية .
5. دعم الجودة التنافسية
للمنتجات السودانية .
6. تحسين كفاءة البيئة
التصديرية ( الموانئ ، البنية التحتية .. ) والخدمات الداعمة للتصدير مثل التأمين
واعادة التأمين وتقديم الضمانات .
7. توفير المعلومات عن الأسواق
للمصدرين ومساعدتهم للوصول الى تلك الأسواق .
8. دعم المشاركة فى المعارض
الدولية .
9. تنمية علاقة السودان مع
المؤسسات الاقليمية والدولية فى مجال التجارة مثل منظمة التجارة العالمية والسوق
المشتركة للشرق والجنوب الافريقى ( الكوميسا ) والاتحاد الأوربى ومنظمة التجارة
الحرة العربية الكبرى .
10. ابرام اتفاقيات الشراكة
وعقد البروتوكولات التجارية مع دول مثل اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية
والدول العربية والافريقية .
11. معالجة اختناقات النقل
والشحن والتخزين .
12. انشاء مؤسسات ضمان
الاستثمار وائتمان الصادرات ، مع خدمات خاصة لصغار المصدرين .
13. دعم القطاع الخاص فى مجالات
البحوث والتطوير والتسويق الفعَّال .
14. توفير التمويل للمصدرين ،
خاصة القروض الميسرة .
15. تنسيق جهود الجهات
المعنية بالتصدير مثل وزارات المالية
والتجارة والصناعة والزراعة والجمارك والضرائب والبنك المركزى والسلطات الأمنية
والسلطات العدلية والفرف التجارية واتحادات المنتجين والمصدرين .... الخ .
16. تنويع سلة الصادرات وعدم
الركون الى سلعة واحدة أو سلعتين من سلع الصادر كأساس لجلب النقد الأجنبى .
17. دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة
لرفع مساهمتها في الصادرات، وذلك عن طريق منحها تسهيلات تمويلية و اجرائية وتقديم
التدريب اللازم لمنسوبيها ومساعدتها لتحسين جودة منتجاتها وتقليل تكلفتها لتتمكن
من المنافسة في السوق العالمى .
18. أن تقوم الدولة بعمل شراكة
مع القطاع الخاص لتطوير التعليم الفني الذي هو المدخل الصحيح لتطوير صناعات
تصديرية عالية التقنية .
19 . الاستعانة بالدول المتقدمة
لانشاء مراكز للتدريب الفني و التقني .
20 . عمل الدراسات و البحوث التطويرية
لأسواق الدول المستهدفة بالتصدير ، و بتوجهات السوق العالمية عموماً ، و ربطها
بمؤشرات صادرات السودان ، و استهداف الأسواق ذات الفرص التصديرية الواعدة . و تشمل
الدراسات و البحوث تحليل العلاقة التبادلية بين الصادرات و الواردات من السلعة بين
الدول المستهدفة والسودان من حيث أنواع المنتجات وخصائصها والجودة والهيكل السعرى
ومعدلات الطلب على المنتج ونمو الأسواق . كما ينبغى أن تشمل الدراسات ، خطوط الشحن
وائتمان الصادرات والتسهيلات المقدمة للمستوردين ، وذلك من أجل صياغة استراتيجية
للتغلغل فى تلك السوق وكسب حصة أكبر فيها .
21. الارتقاء بالكادر البشرى عن
طريق التعليم المتميز والتدريب المستمر فى كل مجالات النهوض بالاستثمار وبالصادرات
حتى يستطيع أن يحسن ادارة المنافسة الحادة التى صارت هى سمة هذا العصر .
أحد عشر : تأهيل وتنظيم وضبط
قطاع التعدين
ان توفير ماتحتاجه الدول من
النقد الأجنبى لمقابلة الطلب المتنامى عليه لاستيراد السلع الرأسمالية
والاستهلاكية الضرورية واحتياجات الصحة والتعليم ومدخلات الانتاج والخدمات الأخرى
، هو واحد من أكبر التحديات التى تواجه الادارة الاقتصادية لأى بلد . وفى السودان
، ويالرغم من أهمية القطاع الزراعى فى جلب النقد الأجنبى ، الا أن قطاع التعدين (
النفط والذهب ) ، برز كأحد القطاعات الهامة والواعدة فى هذا المجال ، حيث تشير
الدراسات والدلائل الأولية ، الى أن السودان يمتلك مخزوناً كبيراً من هاتين
السلعتين ، وأنه ، حتى بمعدل استغلالها الحالى ، يستطيع أن يحقق الكفاية الذاتية
ويتيح فوائض كبيرة للتصدير . ولكن المؤسف
أن هذا القطاع هو أكثر قطاع مورس فيه الفساد فى عهد حكومة المخلوع عمر البشير ،
ووجهت الموارد المتحققة منه الى جيوب الرئيس المخلوع وعائلته ووزرائه والى الأنشطة
القمعية للحفاظ على السلطة . ولم ينال الاقتصاد السودانى منها ، والانتاج على وجه
الخصوص ، ولا حتى النذر اليسير . وبصورة عامة ، فقد ظل هذا القطاع صندوقاً أسوداً
لا يملك شفرته ولا يفك طلاسمه الا نفرٌ قليل من المتنفذين فى النظام البائد .
ولذلك ، فلا بد أن تطاله يد اعادة الهيكلة الكلية على النحو التالى : -
1. تغيير كل الادارة العليا والوسيطة للقطاع واستبدالها بكوادر
وطنية تملك التأهيل والخبرة وتمتاز بالأمانة والولاء المطلق للوطن وشعبه . وفى
حالات محدودة ، يمكن الابقاء على بعض الكوادر التى لم تفسد ولم تفسد بل انها قد
تكون قد قاومت الفساد ودفعت لذلك ثمناً باهظاً .
2. هنالك غياب تام للمعلومات والاحصاءات الدقيقة حول هذا
القطاع ونعنى هنا قطاع التعدين عن الذهب بشقيه الأهلى والحديث : مواقع الانتاج ،
حجم المخزون ، حجم الانتاج ، حجم العمالة الحالية وتصنيفها ، الأسعار فى المواقع
المختلفة لتجارة الذهب ، المشترون والوسطاء والسماسرة وأنواع الفساد المصاحبة ،
المخاطر العديدة التى تحيط بعملية الانتاج وعدد الذين قضوا من الاشعاعات أو العطش
أو انجرافات التربة أو الذين ضّلوا الطريق ، وقضايا الاحكتار والتهريب ، وغياب
الأمن والرقابة بشكل عام . ولذلك نقترح أن تشكل الحكومة الانتقالية لجنة مركزية
رفيعة المستوى مع فروع لها فى الولايات ، لعمل مسح شامل للقطاع على امتداد القطر
كله ، وتزود هذه اللجنة بكل المعينات الضرورية التى تمكنها من الوصول الى كل
المناطق القصية ومن اكمال مهمتها الشاقة ، وذلك من سيارات دفع رباعى والوقود
والحراسة الأمنية ونحوها . ويقترح أن تشمل اللجنة اقتصاديين ومحاسبين ( ماليين )
وأخصائي علم اجتماع وأطباء وأخصائى أمراض جلدية وضباط من الجيش وجيولوجيون .
3. اعادة دراسة قوانين الاستثمار الخاصة باصدار تراخيص
التعدين للمستثمرين المحليين والأجانب بغرض سد الثغرات التى تؤدى الى ضياع المال
العام .
4. مراجعة كل التصاديق والتراخيص التى أصدرت فى العهد البائد
بالنسبة للتنقيب عن البترول والتعدين عن الذهب .
5. محاسبة كل الذين أفسدوا فى هذا القطاع وكل الذين حولوا
المال العام لمصلحتهم الخاصة .
6. توفير التدريب والارشاد للعاملين فى قطاع التعدين الأهلى .
7. اقتطاع نسبة ، يتفق عليها ، من عائدات البترول والذهب فى
كل ولاية لكى تصرف على البنية التحتية الاقتصادية والبنية التحتية الاجتماعية فى
تلك الولاية .
8. توفير آليات التعدين الحديثة لقطاع التعدين الأهلى ،
وتوفير الوقود ( الديزل ) وأدوات السلامة للشركات العاملة .
9. التصديق لعدد محدود من الشركات فى مجال تجارة الذهب ووفق
ضوابط صارمة على أن تشترى هذه الشركات الذهب – دعنا نقول جدلاً – بنسبة 92 % من
سعر البورصة العالمى . وهذا من شأنه أن يقلل من تهريب الذهب .
10. انشاء بورصة لتداول الذهب السودانى تحت اشراف البنك
المركزى ووزارة المالية ، يكون الشراء فيها متاحاً للبنوك المحلية والعالمية ،
ويكون التسليم فى الخرطوم .
11. وقف كل الأنشطة التعدينية عن الذهب غير تلك التى تشرف
عليها وتراقبها الدولة عبر أجهزتها المشار اليها .
12. سن قوانين رادعة لكل المخالفين لسياسات التعدين وكل
المشتغلين بتهريب الذهب ، وانشاء قوة أمنية واستخبارتية ضاربة لحراسة هذه القوانين
وتطبيقها عبر الجهاز العدلى للدولة .
13. توسيع دائرة الضوء ليشمل التعدين معادن أخرى غير الذهب
يمتلك فيها السودان ميزات نسبية، تساعد فى تنويع دخل الدولة وزيادة فرص العمل
وزيادة الناتج المحلى الاجمالى . وفى هذا الاطار ، يفضل وضع استراتيجية شاملة
جديدة لقطاع التعدين .